إرحموا هذا الوطن وارحلوا عنه يا كُفّار!

د. جويل رمزي فضّول

رادار سكوب

2020 -

كانون الثاني -

د. جويل رمزي فضّول – رادار سكوب:

عانى اللّبنانيّ كي يمحو آثار الحرب اللّبنانيّة، فمنهم من هاجَر قسرًا، ومنهم من سالَت دماؤه لتروي أرض الوطن، ومنهم من تمسّك بأرضه ورفض الرّحيل. وما كاد يُشفى مِن لهيب مشاهدها حتّى عادَ لِيُشبّع ذاكرته بحبر الدّم ودُخان الألم. عادَت النّيران لتُشعل ليس الأرض فقط وإنّما قلبه، نيران الغضب والقهر، نيران أشعلها هؤلاء الّذين يدّعون البراءة، هؤلاء المجرمون الّذين يتمسّكون أكثر فأكثر بكراسيهم. هذا يتّهم ذاك، وذاك يُبادله بتهمة أخرى، والمواطِنُ عالِق بين تلك الأضراس الوحشيّة القادرة على نهش المواطن بلا رحمة وبلا رأفة.

ثورتنا بدأت سلميّة، وطالَتها الشّبهات. تمويل مِن هنا، دعم من هناك. زعران مِن هنا وقطّاع طرق من هناك، ولكن إن كانت تلك هي الاتّهمات الّتي استطاع أصحاب السّلطة أن ينشروها، فلتكن! لشرف لنا، ولكلّ إنسانٍ شاركَ في هذه الثّورة أن توجّه إليك تلك الاتّهامات، فهي ستبقى أرقى وأطهر مِن جريمة تركتبها السّلطة كلّ يوم! راهنتم على نَفَس هذه الثّورة، راهنتم على هزيمتها، إلّا أنّها تكبر يومًا بعد يوم، ويكادُ ينفجر غضبها عنفًا في الشّوراع، فتجد النّاس مسمّرين أمام شاشات التّلفزة، يُتابعون بلوعة وحرقة مشاهد دامية، يصرخون ويهتفون، يشتمون ويولولون، كما لو كانوا جمهورًا لمباراة رياضيّة، كُلّ يُشجّع فريقه.

والمُهاجِر يتقطّع قلبه لِبعده عن أرضه، يتمنّى لو يربح الثّوّار لِيعود إلى بلاده الّتي يعشقها. ومَن عاش الحرب اللّبنانية يبكي لوعَةً وألمًا وقهرًا على حلم شبابٍ يصعب تحقيقه في بلدٍ تتقاسمه الأطراف لمصالِحها الشّخصيّة وتتخاصم عليها الدّول لحاجاتِها الدّوليّة! والثّائرُ في الطّرقات وفي المنازل، في السّيّارات وفي المدارس، يثور ويغضب، يتذمّر ويتحسّر، والكلّ غارِقٌ في سُباتٍ عميقٍ يحلم بوطنه الحبيب! بئس هذا الزّمن، وبئس ما ورّثتنا إيّاه تلك التّحالفات السّياسيّة الكافرة!

وماذا عن شَباب هذه الثّورة، ماذا عن رجالِها ونسائها؟ ماذا عنهم يا أيّها الكّفار؟! هل خراطيم المياه والرّصاص المطاطيّ والأسلحة قادرة على إسكات ثورة أشعلتها نيران سرقتكم؟ هل هي قادرة على خطف أنفاس الّذين تركوا كلّ شيء وأغلى ما عندهم لِيدافعوا عمّا تبقّى من هذا الوطن!؟ وماذا عنّا نحن، نحن الّذين تنشب في رؤوسنا يوميًّا مجزرة بين عقلنا وقلبنا، فالعقل لا يسمح لنا أن نخطو خطوة واحدة إلى الأمام لِنُشارِك إخوتنا الّذين يضحّون من أجل أن ننعم نحن قبلهم ببلدٍ نحلم به خوفًا على حياتِنا ومراكِزنا، خوفًا على سمعتنا وكرامتنا، خوفًا مِن رصاصة مِن هنا أو حجرةٍ من هناك. أمّا القلب فيثور غضبًا ويهتف ألمًا يُريدُنا أن نكونَ مع هؤلاء الأبطال، يُريدُنا أن نَحملَ علمنا اللّبنانيّ الّذي زيّن هذه السّاحات لِنواجه رصاص حقدهم.

ما كان أطول غِياب هذا العلم اللّبنانيّ، هذا العلم الّذي فقدته السّاحات اللّبنانيّة في معاركها وانتفاضاتها، فإذا هو يعودُ أقوى من قبل، يعود مرفوع الرّأس، محمولًا على الأكتاف، حاميًا وحده رؤوس الثّوّار، مُدافِعًا عن إيمانهم به، وأزلام السّلطة يرشقونه بحقدهم.

ولكن،
إلى متى؟ إلى متى ستستمرّ هذه المعركة قبل أن تصبح دامية فعلًا، لأنّ مشاهد الحرب تقترب أكثر فأكثر؟ إلى متى سيبقى هؤلاء الثّوّار عزّل، قبل أن تدعمَهم النّقابات والمؤسّسات جميعها؟ إلى متى سيبقى الجيش قادِرًا على المواجهة قبل أن يرمِي سلاحَه أرضًا ويقف مع الثّوّار؟! هل نحن ننتظر فعلًا أن تبدأ ثورة جياع تمسّ جميع اللّبنانيّين من دون أيّ استثناء، كي نتحرّك يدًا واحدة، ونرفع قبضة يدنا نحو الأعلى متوحّدين، مطالبين بحقّ لقمة عيشنا وكرامتنا؟ أمّ أنّ ذلك الزّعيم قادِرٌ حتّى على تخدير جوع من لا يزال يهتف باسمه ويدافع عنه؟!

توحّد يا شعبي واكتب لمرّة واحدة قصّة وطن سيرمي زعماء الفساد في مزبلة التّاريخ، ثُر واقلعهم مِن كراسيهم، أنت وحدك القادر على ذلك، فسلاحهم لن يستطيع يومًا أن يقتل ثورةً حرّة! أنتَ تموت كلّ يوم، وهم لا يزالون يتحدّثون عن مشاريعهم المشبوهة وصفقاتهم المرفوضة! إهتف لمرّة واحدة لِصالِح وطنك وانْسَ كلّ خطاباتهم السّياسيّة الّتي تدغدغ أحلامنا، أصرخ في وجههم إكرامًا للبنان:

"إرحموا هذا الوطن، وارحلوا عنه يا كُفّار!"

تابعوا آخر أخبار "Radar Scoop" عبر Google News، اضغط هنا